الأحد، 20 مارس 2011

إنه الاستقرار يا غبي



معظم من سيقرأ هذه الرسالة سيكون مِن مَن شاركوا في استفتاء 19 مارس الذي ظهرت بالفعل نتيجته بترجيح كفة الموافقة بنسبة كبيرة وعلى الرغم من إني صوت بلا -وأنا لازلت مقتنع بتصويتي هذا- إلا أن هذا التصويت الحر الذي تم بدون أي ضغوط مباشرة كان إيجابيًا جدًا -على الرغم من عدم وضوح إذا كان الناس سينعمون بهذه الحرية على المدى البعيد أم لا.

ولم يكن التصويت على الدستور على بالي بأي حال في الأسبوع الذي سبق التصويت، فقد كنت مشغولاً بأمر آخر، ولكن الصدفة أدخلتني في مناقشة مع زميل لي يحاول إقناعي برفض التعديلات. وقد أكتشفت بأن الموضوع آخذ منا حوالي نصف ساعة من الكلام والمناقشات والمحاورات والاستشرافات لكي يصل بي إلى نقطة في المنتصف لم تمل لا لليمين ولا لليسار، إنما تركتني معلقًا بين نعم أولا أحتاج إلى قراءة أكثر لكي أصل إلى قرار يطمئني على الرغم من إقتناعي بأن نعم أو لا ستصل بنا إلى نفس النتيجة تقريبًا،قصر أو طال الوقت.

وعندما تناقشت مع آخر مؤيد للتعديلات، لم يزد في الكلام عن الاستقرار وعودة المجلس العسكري للقيام بدوره، وكان هذا رأي له وجاهته.

نزلت ميدان التحرير يوم الجمعة 18 مارس وكان فيه بعض الشباب يوزعون دعاية مضادة للتعديلات؛ الورقة كبيرة مليئة بالكلام المنمنم والعبارات الفخمة واستحلاف الناس بدماء الشهداء بأن يرفضوا التعديلات الدستورية. وانخرط الناس في مناقشات طويلة وطالت السجالات.

وفي اليوم التالي لم تكن مفاجأة تصويت الناس بنعم في الاستفتاء؛ ففي الوقت الذي كان شباب التحرير يزبدون ويرطون ويتناقشون ويوزعون العرائض الطويلة خاطب المعسكر المؤيد للتعديلات عواطف العامة مباشرة وفي الصميم بعبارات قصيرة سهلة الفهم فعبارة "نعم للاستقرار" بالإضافة لاستخدام المتدينين للتحريض الديني بافتراض أن "رفض التعديلات يعني إلغاء المادة الثانية" و"الأقباط يرفضون التعديلات" وتعدتها إلى حتى اللعب على لون نعم "الأخضر" ولا "السوداء" ثم تطرفت إلى تكفير قائلي "لا".

ولم يكن لهذا سوابق في التاريخ فأمريكا استخدمت نفس الأسلوب في دعايتها في حربها الضروس ضد الأمبراطورية الحمراء وكانت كل شعاراتها قصيرة، سهلة، سريعة الهضم وكان في مواجهتها رطانة الروس وملل خطاباتهم التي تعد بجنة (الاستقرار عند البسطاء الآن) لن يرها أحد إلا بعد زمن طويل. واستخدمها أيضًا كلينتون ضد الرئيس بوش الأب الذي كانت انتخابات التجديد بالنسبة له؛ نزهة، بعد أن شهدت رئاسته هزيمة الشيوعية وتبعها وضع أمريكا قدميها على أول الطريق لبناء أمبراطورية أمريكا العسكرية بضرب العراق، ولكنه لم يصمد أمام دعاية كلينتون الذي لخص شعاره في عبارة إنه الاقتصاد يا غبي؛ ولم يكن بوش الأب من المهتمين بالاقتصاد حتى يصمد أمام دعاية وشباب كلينتون الذي كسب الرئاسة واستطاع التجديد أيضًا لأربع سنوات آخرى رغم فضائحه الجنسبة.

كل هذا الكلام فات أولئك الذين كانوا يريدون دفع الناس للرفض ولم يعزلوا أنفسهم فقط بالخطابات الطويلة والكلمات الفخمة في الشوارع بل وعزلوا نفسهم أكثر بفيديوهات الفيس بوك (يا ريتها كانت ع التليفزيون) التي تصلح لناخب غربي أكثر من واحد مصري في الغالب يعيش في الريف ولا يستعمل الكمبيوتر فكانت دعايتهم فقط لمخاطبة الذات أكثر من مخاطبة الآخرين. لم يقولوا "لا لدستور مبارك" أو "لا للسرقة باسم الدستور" أو أي لا بسيطة سهلة وكانت كل لاءاتهم غليظة طويلة عصية عن الفهم السريع.

فات على شباب التحرير أن مخاطبة العامة في عواطفهم وليس في عقولهم. وأن لكل مقام مقال ولكل وقت آذان. فات عليهم أنهم هم أنفسهم كانوا يهتفون "الشعب يريد اسقاط النظام" وليس توزيع العرائض وعمل فيديوهات الفيس بوك. وأن عليهم إذا أرادوا فعلاً أن يمثلوا البلاد بأن يدركوا بأن السياسة هي فن الممكن وليس الالتزام بالقواعد والحيادية وأن اللعبة يلزمها إعلام قوي ومنظم يستطيع أن يخاطب القطاعات العريضة من الشعب بلغتهم هم وعواطفهم هم بالإضافة إلى العمل الجاد الذي يستطيع أن يلمسه الناس فعلاً وليس وعدًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق