الأربعاء، 14 أبريل 2010

في الشارع

كانت الشمس قد بدأ ضوءها يخفت ويختفي عندما كنت راجعًا إلى بيتي بالسيارة .. كنت شارد الذهن كالعادة على الرغم من ازدحام الشوارع بالناس في مدينتنا الصغيرة وقد اصبحت القيادة بالنسبة لي كالغريزة لا تحتاج إلى تفكير .. فذهني مشغول بأشياء أخرى. كنت مشغول بحركة الناس العشوائية في الشوارع وتسكعهم وتلكئهم وعدم اهتمامهم ببوق سيارتي أو حتى أنوارها كإنهم لم يعدوا يبصروا أو يروا. بشر وسيارات وعربات تجرها الحمير ودراجات وأطفال كلها في حيز واحد بلا نظام وبلا ترتيب؛ متداخلون متدافعون كل واحد منهم يريد أن يحتل الحيز الفارغ بلا نظام .. بلا ذوق!
كل فرد من هؤلاء صحا من نومه ثم خرج من بيته لكي يأتي بالذي يريده، أو بالذي يتوهم إنه يريده أو لكي يحصل على شيء أقتنع بأنه يحتاجه. فهل يمكن أن تكون هذه الفوضى، في الواقع، نظام؟ نظام الحصول كل فرد على مبتغاه لكي يشبع حاجته الأساسية أو حاجته المكتسبة (التي اقتنع بأنه يحتاجها على الرغم من أنه في الواقع لا يحتاجها). ربما إذا كان لدى أحد منا القدرة على مراقبة المشهد من الأعلى ورأي حاجة كل شخص والمسار التي يتخذه لكي يحصل عليها لأقتنع أن كل هذه الفوضى بها نظام.
ولكن هل يا ترى سأل أي أحد منهم نفسه لماذا يحتاج إلى شيء في الواقع ربما لا يحتاجه؟ لماذا يعمل بكل هذا الجهد؟ ما هو الدافع؟ الدافع هو أهم الأشياء للعمل، أنه الشعور الذي يسيطر على العقل بضرورة الحركة للحصول على الحاجة، هو الذي يدفع المخ لارسال الإشارات لكل عضلات جسدك للإنقباض لكي تتحرك للحصول على المراد. وعلى حسب هذا الدافع تتنوع وتختلف نتيجة الأعمال. فإذا كان الدافع دنيئًا رخيصًا أصبحت الأعمال قبيحة وهابطة وإذا كان الدافع عظيمًا ساميًا صارت الأعمال جميلة .. غالية.
ولم أجد من كل الدوافع ما يصلح لكي يشعل الإنسان رغبةٌ في العمل إلا الحب. حب العمل الذي يقوم به وليس حب المال الذي يحصل عليه. فإذا أحب الفرد عمله تصير الأيام ساعات والساعات دقائق. تصبح كل الأشياء متقنة وكل الأشياء جميلة. مثلما قال أينشتاين عندما سأله أحدهم عن أسهل شرح لنظريته النسبية قال له إن الزمن يمضي سريعًا عندما تكون بجوار محبوبتك ويمر بطيئًا عندما تكون يدك على صفيح ساخن.
ربما هذا شيء لم نتعلمه في حياتنا .. لم نتعلم أبدًا كيف نحب .. لم نحب عملنا لم نحب بلدنا لم نحب بعضنا البعض .. كلما مشيت في الشوارع ورأبتها قذرة متسخة أدركت إننا شعب لم يتعلم الحب. لا جمال ولا نظام. كل الأعمال رديئة. ألم نعد قادرين على العطاء الصادق؟ ألم نعد نثق في بعضنا البعض؟ هل كل ما نفعله أصبح دافعه الخوف أو الدوافع الكاذبة للحصول على أشياء لا نحتاجها في الواقع؟ لماذا لا نثق في قدرتنا على العمل سويًا ويفضل كل فرد العمل وحيدًا؟ هل هو وهم القيادة؟ الكل يريد أن يكون قائدًا .. لم نتعلم أنه لكي نكون قادة لابد أن نطيع قادتنا. بالطاعة يمكننا تعلم فن القيادة. لماذا يريد كل فرد فعل عكس الصحيح لكي يثبت استقلاله؟ أصبح الشعار لا تفعل الصحيح حتى لو كان للخطأ أضراره .. منتهى الغباء .. منتهى الحماقة!
ولأن بعضنا لم يتعلم في طفولته كيف يكون حرًا كبر ورفض الحرية .. الحرية تعني القدرة الذاتية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالشخص متخذ القرار دون الإضرار بالأخرين، ثم تحمل مسئولية هذه القرارات التي ربما تكون خاطئة. لم يتعودوا أن يتحملوا مسئولية قراراتهم الخاطئة. يريدون أن يكونوا منقادين لكي يجدوا شخص ما لكي يلوموه. وإذا لم يجدوه لاموا الشيطان الذي ربما لن يكون موجودًا في الوقت المناسب لكي يتحمل مسئولية وسوسته!

هناك تعليقان (2):